أبعِدوها عن أطفالكم... الآن!

أبعِدوها عن أطفالكم... الآن!

سينتيا سركيس

لا زلت أذكر حتى اليوم، كيف كنتُ، طفلة، أنهض باكرا يوم السبت، أتسلل إلى غرفة الجلوس وأشغّل التلفاز. عيناي مسمّرتان تنتظران النحلة زينة "من وردة لوردة تطير، تجني العبير بين الحقول، تلعب مع صديقها نحّول...". لا زلت أذكر حتى اليوم، كيف كنت انتظر عطلة فصل الصيف، حتى يتسنى لي اللعب على راحتي مع "أصدقاء الحي". من "الغمّيضة" إلى "اللقيطة"، فـ"الغلّة" و"لعبة الاحجار المتساقطة"، كنت بعدها أعود إلى المنزل ثيابي موسّخة فقد أشبعتها "رمولا وشغبا".

ولّت الطفولة وولّى معها كلّ أشكال المرح. أنا كبرت، وهي اختفت! فقد نجحت، وللأسف، التكنولوجيا ووصيفاتها، بتغيير الصورة، تلك الصورة البسيطة للطفولة "على ايّامنا".

اليوم، تكاد أن تكون مهمّة مستحيلة ان تجد طفلا يلعب مع أترابه في حديقة المنزل، أو طفلة تركب الدراجة الهوائية فيما صديقتها تنتظر دورها. اللعب بالطابة لم يعد "دارج"، وإمضاء ساعات في تسريح شعر الـ"Barbie" وإلباسها الفساتين، بات "قديم العهد"، إذ اصبح بالإمكان التخاطب معها والذهاب معا للتسوق، وريّ حديقة منزلها وإطعام الحيوانات الموجودة هناك، كلّه في تطبيق واحد على الهاتف.

تجلس الفتاة، حانية رأسها، تنظر في الهاتف لساعات، ففي داخله عالم آخر، يأخذها ومن دون حركة إلى حيثما تريد. فيه واحات للعب لا تنتهي، وحيوانات ناطقة وأكثر...

اللعب بالطابة متاح online، تركّز جيّدا وبزرّ واحد تنطلق الطابة باتجاه الهدف، لا حاجة لملابس خاصة هنا، وبالتأكيد لن تسمع توبيخا في نهاية "الماتش" لتوسيخك ثيابك. هذا التغير في الانماط وأسلوب العيش قد يكون خلق ارتياحا لدى الاهل، فهم مطمئنون إلى حال أولادهم، يعلمون بمكانهم ولا أخطار تتهدّدهم، غير انهم ومن دون ان يعلموا يعرّضون أبنائهم لما هو اخطر من "ركض على الطريق" وما شابه...

وفي هذا الإطار، لفت الدكتور في التربية والارشاد احمد عويني في حديث لموقع mtv الالكتروني، إلى أن التكنولوجيا اقتحمت حياتنا وباتت الطريق الأسهل إلى المعرفة، فمن خلال youtube بات الطفل يواكب احدث الفيديوهات والأغاني، وهو يجد في الانترنت ألعابا كثيرة وبكبسة زرّ واحدة.

غير أنه حذر من الاخطار الكبيرة التي يشكّلها هذا الواقع على الأطفال، فهو من شأنه أن يؤثر عليهم بصورة سلبية، أولا من خلال "الابتعاد عن القراءة والكتابة والاكتفاء بتلمّس الـipad أو الهواتف الذكية، الامر الذي يفسّر المشاكل في الخط السليم لدى غالبية التلاميذ"، إضافة إلى مشكلات في النظر وتزايد نسبة البدانة نتيجة تسمّر الطفل لساعات من دون التحرك. ناهيك عما يخلقه ادمان التكنولوجيا من تراجع في أسس التواصل، حيث أن الإخوة في المنزل الواحد باتوا يتواصلون مع بعضهم البعض عبر تطبيق الـWhatsapp.

يقول عويني "إن التكنولوجيا قتلت في هذا الجيل فكر الابداع والابتكار، حيث أن كل شيء بات سهلا الوصول إليه"، محذرا كذلك من ظاهرة "الهواتف بحوزة الاطفال والمراهقين خصوصا انهم ومن خلاله سيدخلون إلى مواقع معيّنة"، وهو يعتبر أنه يمكن إعطاء هاتف للمراهق في حال كان ذاهبا في رحلة أو إلى سهرة، كي يتمكن الأهل من التواصل معه والاطمئنان إلى حاله.

ومن هنا، يدعو عويني الاهل إلى وجوب زرع ثقافة معيّنة لدى الطفل تنبّهه إلى أن "كثرة التكنولوجيا مضرّة"، والتعاون مع المدرسة في هذا الإطار لإنشاء حملات توعية بضرورة خلق توازن بين الحياة العمليّة والعالم الافتراضي.

نحن، وبالتأكيد لا نقف في مواجهة مع التكنولوجيا، فلولاها لما كنتم تقرأون هذه السطور على موقعنا، غير أنه من الضروري استيعاب أخطارها أيضا، فنسيطر نحن عليها بدل أن نتركها هي تسيطر علينا.

© www.mtv.com.lb

  • » Home
  • » News
  • » أبعِدوها عن أطفالكم... الآن!
SUBSCRIBE TO NEWSLETTERS

Please enter your e-mail address below to subscribe to our newsletter.

Latest Products

more...